JustPaste.it

📌بدعة قيام وصيام النصف من شعبان📌

 

وردني سؤالٌ حول النصف من شعبان وبدعة تخصيص ليله بقيام ونهاره بصيام، وحول بعض الشبه المثارة في الموضوع، فأنشأت تسجيلاً صوتياً للجواب، أرسلته لكل من سألني حول الموضوع، ثم رغب إلي بعض الإخوة أن يكون الكلام ملخصاً ومكتوباً لسهولة نقله بين مواقع التواصل الاجتماعي، فأقول:

  1. أغلب الذين يجوِّزون للنصف من شعبان تخصيص ليله بقيام ونهاره بصيام؛ يستدلون بما روي عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله ﷺ:" إذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: ألا من مستغفر لي فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا، ألا كذا، حتى يطلع الفجر " أخرجه ابن ماجه.

  2. والحديث مقدوحٌ فيه سنداً ومتناً؛ أما سنداً فأكثر أهل الحديث على ردِّه، وتعابير حكمهم فيه بين: ضعيفٍ جداً وباطلٍ وموضوعٍ، وقد ردَّه المحدثون على اختلاف مشاربهم؛ كابن الجوزي والعراقي وابن رجب والبوصيري والمنذري والفتَّني والعيني وأبي الحسنات اللكنوي والمباركفوري والشوكاني والألباني والأرناؤوط وغيرهم.

  3. وعلته رجلٌ اسمه أبو بكر بن عبدالله بن محمد بن أبي سبرة؛ قال عنه الذهبي: متروك؛ وقال ابن حجر: رموه بالوضع؛ وهما يقصدان بذلك إجمال حكم أئمة الفن مثل أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والبخاري والنسائي وغيرهم، وكلامهم مبثوثٌ في كتب الرجال كـ "تهذيب الكمال".

  4. وأما متناً فالحديث فيه نكارة، فإنه يشير إلى اختصاص ليلة النصف من شعبان بنزول الله فيها يسأل عن المستغفر والمسترزق حتى طلوع الفجر، ولذلك كان القيام والصيام، وهذا يخالف ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:" ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني، فأستجيب له من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له " وفي رواية لمسلم:" هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ هل من سائل؟ هل من داع؟ حتى ينفجر الفجر ". فدلّ ذلك على أنّ هذا ليس مختصاً بليلة النصف من شعبان!

  5. وبمثل هذا ردّ الإمام عبدالله بن المبارك الحديثَ؛ فقد ورد عن محمد بن سلام قال: سألت عبدالله بن المبارك عن نزوله ليلة النصف من شعبان؛ فقال عبدالله: يا ضعيف! في كل ليلةٍ ينزل. فقال له رجلٌ: يا أبا عبدالرحمن؛ كيف ينزل!؟ أليس يخلو ذلك المكان منه!؟ فقال عبدالله: ينزل كيف يشاء. وفي رواية: إذا جاءك الحديث عن رسول الله ﷺ فاخضع له.[عقيدة السلف وأصحاب الحديث: ص 51]

  6. عامة التابعين على أن تخصيص القيام في ليلة النصف بدعة، ولم يفعله إلا أفراد من تابعي الشام بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، ولا شك أن هذا لا ينبني عليه شرعٌ عند أهل العلم، لذا قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة وهو قول أصحاب مالك وغيرهم وقالوا: ذلك كله بدعة.[لطائف المعارف: ص 137]

  7. يحتج بعض الشافعية بكلام الرملي في فتاويه! والجواب عن هذا في نقاط؛ أولها: أن الرملي استدل لفتواه بالحديث الموضوع، والرملي ليس محدثاً؛ لذا اعتمد على حديث ابن ماجه الباطل الذي ضعفه المحدثون، وإذا بطل الدليل سقط الاستدلال به للحكم، فإن لم يكن ثَم غيره فبطل الحكم كله.

  8. وثانياً: كلام الرملي معارَضٌ بقول غيره من فقهاء الشافعية كالنووي والسبكي والعزّ والهيتمي، ولذلك أذكر ما نقله الهيتمي عن الإمام النووي في تخصيص ليلة النصف من شعبان بالقيام وعن صلاة الرغائب في رجب، قال: بدعتان قبيحتان مذمومتان، ولا يُغتر بذكرهما في كتاب "قوت القلوب" وفي "إحياء علوم الدين" ولا بالحديث المذكور فيهما؛ فإن كل ذلك باطل... وقد صنّف ابن عبدالسلام كتاباً نفيسًا في إبطالهما، فأحسن فيه وأجاد. اهـ

  9. وقال الهيتمي: وأطال النووي أيضا في فتاويه في ذمّهما وتقبيحهما وإنكارهما... وأيضاً نقل عن السبكي ردّه لمن احتج بأحاديث الصلاة العامة وأن هذا لا يجعلها بدعة... ثم قال الهيتمي: وأما صوم يومها فهو سنةٌ من حيث كونه من جملة الأيام البيض، لا من حيث خصوصه، والحديث المذكور عن ابن ماجه ضعيف... ثم ذكر من أنكر تخصيص الليلة بالقيام، فقال: وإنما النزاع في الصلاة المخصوصة ليلتها، وقد علمت أنها بدعة قبيحة مذمومة يُمنع منها فاعلها، وإن جاء أن التابعين من أهل الشام كمكحول وخالد بن معدان ولقمان وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها بالعبادة، وعنهم أخذ الناس ما ابتدعوه فيها، ولم يستندوا في ذلك لدليل صحيح، ومن ثَم قيل إنهم إنما استندوا بآثار إسرائيلية، ومن ثَم أنكر ذلك عليهم أكثر علماء الحجاز؛ كعطاء وابن أبي مليكة وفقهاء المدينة، وهو قول أصحاب الشافعي ومالك وغيرهم، قالوا وذلك كله بدعة، إذ لم يثبت فيها شيء عن النبي ﷺ ولا عن أحد من أصحابه. [الفتاوى الفقهية الكبرى: 2 / 80 - 81] ومرّ كلام ابن رجب الحنبلي بنحوه، فليتأمل الشافعية المحتجون بكلام الرملي قول الهيتمي الشافعي ختاماً: وهو قول أصحاب الشافعي؛ في جملة من أنكر.

  10. وأعجب من ذلك احتجاج بعض بُلداء الشافعية بقول الإمام الشافعي رحمه الله: وبلغنا أنه كان يقال: إن الدعاء يستجاب في خمس ليال في ليلة الجمعة، وليلة الأضحى، وليلة الفطر، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان [الأم: 2 / 485] وهذا النص وقع في الكلام عن العبادة ليلة العيدين ضمن شواهدَ أُخر، فلا يُذكر مستقلاً لليلة النصف من شعبان!

  11. والكلام كما هو واضح عن الدعاء فيها لا عن القيام المبتدَع، بل الإمام الشافعي من جملة فقهاء الحجاز الذين شملهم ابن رجب في قوله:" وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز " ونقلنا كلامه بتمامه، وكذلك نقلنا كلام الهيتمي الشافعي عن أصحاب الشافعي وأئمة المذهب كالنووي والسبكي والعز...

  12. هذا النص من الإمام الشافعي بلاغ؛ أي سيق بلا إسناد، والأصل في البلاغات الضعف الشديد لإعضالها، لذا ما قبل المحدثون بلاغات الإمام مالك مجردةً دون البحث عن أسانيد موصولة لها، وهي بلا شك أعلى من بلاغات الإمام الشافعي! قال الشيخ الألباني عن البلاغات: هي في حكم الروايات المنقطعة والتي لابد للعالم أن يبحث عن أصولها فإن وجد لها أصلاً درسه على طريقة مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل فما أوصله أو أوصلته إليه هذه الدراسة حكم على الحديث إما بالصحة أو الحسن أو الضعف أما مجرد كون الحديث بلاغ من المؤلف هذا معناه أنه لا إسناد له. [فتاوى جدة: 15أ]، لذا لا يجوز العمل بالبلاغات لأنه من قسم الضعف الشديد، ويزداد الضعف ببعد المبلِّغ عن القائل، ولو عمل بالبلاغات هكذا لجاز إمرار بلاغ الزهري (وهو تابعيٌّ أعلى كعباً من الشافعي في الحديث) في همّ النبي r بالانتحار! وهذا مردودٌ عند أهل العلم! بل حتى الإمام الشافعي نفسه لم يعتبر بمجرد البلاغات، فقد ذكر النووي مسألةً فيها بلاغ لمالك، وأسانيد الحديث منقطعة، ثم قال: قد جزم الشافعي أن طرق هذا الحديث عن ابن مسعود ليس فيها شيء موصول.[المجموع: 13 / 52] فلو كان مجرد البلاغ كافياً من الناحية الحديثية، لما بحث الإمام الشافعي في طرقه حتى جزم بانقطاعها.

  13. أصل بلاغ الإمام الشافعي ما جاء عن ابن عمر قال: خمس ليال لا ترد فيهن الدعاء: ليلة الجمعة، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلتي العيدين. أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (4 / 317 / 7927) قال: أخبرني من سمع البيلماني يحدث عن أبيه، عن ابن عمر به. وهو موقوفٌ له حكم الرفع لأن مثله لا يُقال بالرأي، ولكن هذا لو صحَّ!!

  14. إسناد هذا الحديث ساقط، لمجموعة قوادح أحدها كافٍ في بيان الضعف فكيف وقد اجتمعت: 1- جهالة شيخ عبدالرزاق 2- محمد بن عبد الرحمن ابن البيلماني؛ ضعيفٌ واهٍ (اتهمه بالكذب ابن عدي وابن حبان، قال عنه يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال أبو حاتم والبخاري والنسائي والساجي: منكر الحديث) 3- أبوه عبد الرحمن ابن البيلماني؛ ضعيف (قال أبو حاتم: لين، وقال الدارقطني: ضعيفٌ لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث فكيف بما يرسله، وقال الأزدي: منكر الحديث، وقال البزار: له مناكير وهو ضعيفُ عند أهل العلم، وقال صالح جزرة: حديثه منكر ولا يعرف أنه سمع من أحد من الصحابة) 4- إن ثبت هذا الأخير أنه لم يسمع من الصحابة فيكون ذلك قادحاً رابعاً وهو الانقطاع بينه وبين ابن عمر.

  15. فمثل هذا لا يُحتج موصولاً إلى ابن عمر رضي الله عنهما، فكيف به بلاغاً عن الإمام الشافعي، بل مثل هذا العمل؛ أعني إحياء الليلة بالقيام؛ مما تتداعى الهمم وتتوافر الدواعي لنقله جماعات عن جماعات، فأين الدليل الصحيح الصريح عن النبي ﷺ أو عمل الصحابة!؟

  16. لما تكلم شيخ الإسلام عن أنواع الأعياد الزمانية المبتدعة؛ قال: ومن هذا الباب: ليلة النصف من شعبان... هو من المواسم المحدثة المبتدعة، التي لا أصل لها.[اقتضاء الصراط المستقيم: 2 / 136 - 138

  17. وقال: وكذلك لما أحدث الناس اجتماعاً راتباً غير الشرعي؛ مثل الاجتماع على صلاة معينة، أول رجب أو أول ليلة جمعة فيه، وليلة النصف من شعبان، فأنكر ذلك علماء المسلمين.[الفتاوى الكبرى: 2 / 97]

  18. وقال: ويكره موسم خاص؛ كالرغائب، وليلة القدر، وليلة النصف من شعبان، وهو بدعة. [الفتاوى الكبرى: 5 / 479]

  19. وقال: والأحاديث المروية... وفي الصلاة الألفية ليلة النصف كلها كذب موضوعة ولم يكن أحد يأمر بتخصيص هذا الليالي بقيام ولا صلاة أصلاً.[مختصر الفتاوى المصرية: ص 85]

  20. وأقول ثبت في ليلة النصف من شعبان حديث أخرجه ابن ماجه من طريق أبي موسى الأشعري، وابن حبان من طريق معاذ بن جبل، عن رسول الله ﷺ قال:" إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ". وهذا يدل على أن لتلك الليلة فضيلةٌ ثابتةٌ؛ لذا جاء عن عطاء بن يسار قال: ما من ليلة بعد ليلة القدر أفضل من ليلة النصف من شعبان. اهـ، ولكن الذي لا يثبت تشريع أحكام فيها وتخصيصها بذلك؛ فهذا منكر.

  21. وقد فسر الأوزاعي هذه الشحناء المانعة بالشحناء لأصحاب النبي r ولا ريب أن هذه الشحناء أعظم جرمًا من مشاحنة الأقران بعضهم بعضًا، وعن الأوزاعي أيضاً أنه قال: المشاحن كل صاحب بدعة فارق عليها الأمة. وكذا قال ابن ثوبان: المشاحن هو التارك لسنة النبي r الطاعن على أمته السافك دماءهم. وكثيرٌ من تفسيرات العلماء تدور حول البدعة وترك السنة.

  22. فأفضل الأعمال في ليلة النصف ويومها؛ تجريد التوحيد لله، فلا يتوجه العبد بعبادةٍ من أعمال القلوب أو دعاءٍ أو استغاثة أو استعانة وغيرها إلا لله وحده، وتعهد النفس بالبعد عن الشرك أكبره وأصغره، ثم تجريد الاتباع للنبي ﷺ فلا يعبد الله إلا من طريقه وبما شرع لهم، ثم سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها وأفضلها السلامة من الشحناء الموجودة عند أهل الأهواء والبدع، ولا يتحقق ذلك إلا بسلامة الصدر لسلف الأمة ومحبتهم، كما قال سبحانه:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)}[الحشر]

  23. أخيراً: عليك أخي/أختي بهدي السلف، ولا تجرِ خلف كل قائل يسعى للتدليل لبدعته بالموضوعات وبما لا حجة فيه، فابتعد عن البدع الحادثة في النصف حتى لا تحرم المغفرة فيها؛ ومن ذلك تخصيص نشر رسائل التسامح والتصافح أو الصفح لأجلها، فهذا ليس من هدي السلف، وكذا تخصيص القيام فيها وصيام نهارها على نحو ما ذُكر.


والله أعلم.

✍️وكتبه ببنانه
أبو عبدالله
أنس بن عبدالرزاق خليل